اتعلم


كلما كان الحدث جللا ...

كلما ازداد انشغالا بتفاصيله العريضة

ودائما ما يفوتني ...

ان اتعلم الدرس

و مع الوقت اكتشفت .....

ان اتفه الاحداث ....

وادق التفاصيل


هي التي تعلمنا بحق

تعلمنا كيف نكون


ذلك الكائن المسمي ....

بشر



Wednesday, June 6

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا

عندما يُصنف الشئ بكليتِه علي أنه كريم او شريف أو عظيم ....
فذلك يعني بالضرورة أن جميع أجزائه و تفاصيله
- مهما كانت دقيقة أو تستعصي علي الملاحظة-
هي أيضا كريمة و شريفة... و عظيمة
و أنها تستحق من عقولنا كل إنتباه ...
و من قلوبنا كل ذرة شعور
.
.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِيُسْرًا
.
.
تباغتنا "الفاء " في أول الآية ....
الفاء حرف عطف ...
فلننتبه !
فمن معاني العطف
"الإنعطاف" ...
فلتستيقظ جميع حواسنا و لنستعد .....
فلا ندري أي منعطف قد ينتظرنا !
تلاحقنا "إنّ" .... التي ما نراها حتي تؤكد ما توقعناه مع أول حروف الآية !
و تلقائيا سيضع كل منا يده علي قلبه و يستمع لدقاته ....
فهي حرف للتوكيد يأتي ليؤكد ما بعده ...
و نحن ما نزال لا نعلم ما الذي ينتظرنا !
رغم أننا نعلم الآن أنه شئ ...
أكيد !
و مع نهاية الحرف الناسخ ندرك الأمر ...
جيث تخبرنا "الشدّة "علي آخره ....
أن الأمر شديد و ليس بهَيّنٍ علي الإطلاق !
و عليه ...
فقد تقدم الخبر !
خبر إن ..... الذي سيأتي لنا بما نحن به علي جهل ...
و في إنتظاره كنا !
يلوح لنا "مع" في الأفق
و رغم انه حرف جر....
الا ان "معَ" نفسه لا يأت مجروراً .....
بل مبني علي الفتح .....
مزهواً بفتحته ناظراً لأعلي .... مستعداً لينفذ ما سُخَرلأجله ....
يَجُرّ
و
يكسر
!
يأتي حرف الجر بفتحته و كأنها فوقه صخرة !
رافعاً إياها واقفاً في وضع استعداد لثوانٍ معدودة
ثوانٍ سينقضي زمنها ليلقي علي الانسان بأحمالٍ ينوء بها أولي العصبةِ من الرجال ....
في هذه النقطة تحديدا ...
حيت تُلقي علينا بالأثقال....
ذلك الخبر الذي تقدم
يأتي " العسر"....
ثقيلا...
مجروراً...
مجروراً بكسرةٍ تُحني ظهور العباد و تُطبق علي صدورهم و تُكّبل ارواحهم ......
حتي إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت فأدركوا ان لا ملجأ من الله الا إليه ....
فروا رغباً و رهباً الي بارئهم ليستزيدوا من كسرتهم اللغوية الاجبارية
بكسرة اخري حرة واختيارية ! ....
كسرة تحررتهم حين تمرغت وجوههم في التراب تضرعاً و تقرباً لخالقهم...
لحظة تدرك قلوبنا حينها ....أنه كلما تشتد الكسرة ....
يأبي الدعاء إلا ان يُحَلّق لعلو أكبر ....
و كأن بينهم علاقة رياضية طردية.....
كلما زاد البلاء خف الدعاء .... و صار يُحَلّق اسرع ....
ليسمعه سامع الناس....
الذي لا يمل حتي نَملّ .... ندعو فيسمع .... يعيننا علي الصبر ليختزن لنا خير الجزاء.....
و عندما تأتي تلك اللحظة التي لايعدلها في الدنيا أي شئ .....
حين ينعم علينا بأعظم ما يمكننا أن ندركه ....
قدرتنا علي حمده و شكره علي العسر و البلاء ......
و هي نعمة تستوجب الحمد لذاتها !
في هذه اللحظة المحددة ...
يدركنا
" يسرا" ....
و هي كلمة منصوبة ...فاتحة اكُفّها ....
لاندري أللسماء لكي تحمد الله علي عطائه .....
ام أنها فاتحة أذرعها إلينا لتستقبلنا فنتوسدها و نرتاح !
نحوياً ... " يسراً" هي اسم إن...
إسمها الذي قدر رب العالمين أن يؤخّره – لغويا و واقعيا ! – لحكمةٍ و تدبيرٍ يعلمه وحده سبحانه ...
أخّرهُ إسماً ل "إن" التي لا تخلو من معني التوكيد ....
فهي حقيقة كونية منتهية : أن بعد كل عسر ... يسراً....
كما أنها قد سبقتها الفاء - و التي رغم تأخير اسم إن الملاصق لها - الا انها تفيد السرعة و المقاربة .....
فليس تأخير اليسر عند الله بتأخير ...
و ليس ذلك بتناقض حاشاك ربي الجليل....
و لكنها معاني الأشياء عند العباد هي التي تغاير نظائرها عند رب العباد .....
نعرف أن أمر المؤمن كله له خير ....
و لذا فتأخير اليسر الذي ننتظره قد يعجل بيسر آخرينتظرنا ! ....
فالله يغلق باباً ليفتح لنا به اخر .....
هكذا عودنا الكريم ...
لكنّا نحن من لا نحسن النظر و لا ندرك الأمور
و لاندري أحيانا ما الذي نحتاجه الآن
و ما الذي يُفَضّل الله تأخيره عنا لاننا قد نحتاج إليه لاحقا...
لا ندرك نحن ذلك بضعفنا و عجلتنا .....
و يدركه الكريم ...بعظمته وحكمته.
و لا تقف روعة الآيات عند هذا الحد ...
إذ تتجلي رحمته سبحانه و تعالي بعد نهاية الآية ....
ببداية أخري تهفو إليها الروح ....
لنجد "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" تأتيك مرةإضافية ! ....
تعلمنا اللغة أن إعادة الكلمة أو الجملة ...هو أسلوب آخر من أساليب التوكيد ....
و رغم ما أسبغه الله علينا بفضله في الآية الأولي ...
كان لابد أن تأتي الثانية لتكون شفاءاً تاماً صريحاً للروح بلا أي نقص أو مواربة !
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
آية ضحك بها النبي – صلوات الله و سلامه عليه – استبشاراً قائلا فيها:
" لن يغلب عسر يسرين "
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
هي آية من الايات التي تبعث فيك خدرا سِرّياً....
لا يُدَركُ إلا باليقين ....
اليقين بأن خالقك اعظم و اكبر و أجلّ من أي عسر...
و من كل عسر ....
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
عندما يُصنف الشئ بكليتِه علي أنه كريم او شريف أو عظيم ....
فذلك يعني بالضرورة أن جميع أجزائه و تفاصيله
- مهما كانت دقيقة أو تستعصي علي الملاحظة-
هي أيضا كريمة و شريفة... وعظيمة
و أنها تستحق من عقولنا كل إنتباه ...
ومن قلوبنا كل ذرة شعور
الآية 5 - سورة الشرح


اول نشر: 29 مايو 2012