اتعلم


كلما كان الحدث جللا ...

كلما ازداد انشغالا بتفاصيله العريضة

ودائما ما يفوتني ...

ان اتعلم الدرس

و مع الوقت اكتشفت .....

ان اتفه الاحداث ....

وادق التفاصيل


هي التي تعلمنا بحق

تعلمنا كيف نكون


ذلك الكائن المسمي ....

بشر



Tuesday, March 31

عندما تكلمت الحياة


تأنق كعادته واتم لمساته الاخيرة علي ملابسه......
لم يكن ليفوته اي شئ ....
فاليوم هو اليوم المنتظر ....
يوم الخطوة الاولي في طريقه الطويل ...

تأكد من وجود جميع اوراقه المهمة في ذلك الملف الذي يحمله .....
توكل علي الله و خرج من المنزل ليركب سيارته ...هدية والده له بمناسبة نجاحه
في سنته النهائية بالجامعة .... والتي تخرج منها وهو من اوائل الدفعة.

طوال الطريق كان يشعر بالفخر ...بالفرح ...بالحماس الشديد
فقد كان متوجها لحضور اجتماع في ( جمعية الايجابية الخيرية )
لم يكن هذا الاجتماع بالتحديد اجتماعا عاديا بالنسبة لابراهيم ...فهو العضو العادي بالجمعية... تمكن باصراره وعزيمته – و في فترة قصيرة جدا – ان يصبح احد مديريها
وهو يستحق المنصب عن جدارة فهو بحق شعلة من الايجابية ...
هكذا رأي نفسه ...
وهكذا رآه الاخرون....
فلم يترددوا لحظة في اختيارهم له كرئيس للاجتماع السنوي لهذا العام.

الساعة الثانية تماما بدأ الاجتماع ...
امتلأت القاعة عن اخرها فقد كان الحضور كثيفا ...
فها هي شعبيته ازدادت بينهم ..
فتهافت عليه جميع الاعضاء.....تهافتوا لاستقاء الامل من ذلك النجم الوليد ...
لانهم توقعوا منه الكثير ....
فشخص بمثل صفاته لا بد انه سينقل الجمعية الي مستوي مختلف تماما
من حيث نظام العمل وبث روح جديدة في المكان .

بدأ ابراهيم حديثه ...ليغرق المكان في صمت .....

" الايجابية ....
هي تلك الشرارة التي اراها في عيونكم ...
ذلك الشعور بالحب ...والايثار ...
لقد اثرتموني علي انفسكم ...وعهدتم الي بقيادة الجمعية ...و الاشراف علي تنفيذ خططها ... اعلم انه ليس شرفا علي الاطلاق ...بل هي مسئولية وتحد كبير ...
بالطبع تنتظرون نتائج تليق بحجم ذلك الامل الذي يملؤنا جميعا ....و انا علي يقين من ان نتائج هذا الاجتماع ستكون مختلفة ....وارجو ان تتأكدوا انه في خلال عام من الآن سترون احلاما قد تحولت حقيقة "

بدأ بعرض افكاره .... وبحرفية تامة ... اذهلهم
بدأت النقاشات ....وتجميع الافكار ...لم يختلف معه احد علي الاطلاق
وهكذا انتهي الاجتماع برضي جميع الاطراف وتم الاتفاق علي مواعيد المشاريع كلها.

كان الشاب فخورا بنفسه جدا ...
ترك المكان وهو يحلق في السماء .... لم يكن يشعر بالناس من حوله
فها فو قد تمكن اخيرا من تثبيت اقدامه
ليخطو اولي خطواته علي الطريق الذي لطالما حلم به ....

" اخيرا سأثبت نفسي وابرهن للدنيا كلها اني قادر علي ان الحلم
والاهم ...اني قادر علي تحقيق تلك الاحلام "


وصل الي سيارته التي ركنها في موقف قريب للسيارات.......
و بجوار سيارته كانت تقف حافلة سياحية كبيرة قد نزل السياح منها و انتشروا في المكان
بعضهم يلتقط الصور بحماس ....
والبعض الاخر يبحث في خريطة ليحدد موقعه
مجموعة اخري كانت تتحرك بهدوء متجهة ناحية البحر املا في التنعم ببعض السكينة
و التي ما لبث ان قطعتها اصوات الباعة الذين ظهروا فجأة في المكان و دون سابق انذار
و بدأوا في الالتفاف حول السياح يريدون بيع اي شئ ...

تجاهلهم البعض واكملوا طريقهم ...بينما وقف البعض الاخر يتأملون البضاعة باهتمام
يقلبونها ويسألون عن اسعارها ....اعتلت السعادة وجوههم عندما اشتري بعضهم منها
فهم بالتأكيد سيهادون بها اصدقائهم عندما يعودون الي بلادهم .

كان ابراهيم واقفا عند باب سيارته يتابع كل تلك المواقف الصغيرة باهتمام ممزوج بابتسامة عريضة ....ثم تذكر فجأة شيئا مهما ...فركب سيارته وانصرف .

مر العام ....وكان هذا وقت الاجتماع السنوي الجديد
وللمرة الثانية يكون رئيسا للاجتماع
ولكن ليس بصفته شعلة الايجابية التي ينتظرها الجميع
بل كمجرم عليه ان يحاسب
بدأ الاجتماع متأخرا ساعة كاملة حيث تعطلت به سيارته .....
كان الحضور يفوق عدد العام الماضي بكثير لانهم توقعوا هذه المرة اخطاء لا حصر لها ... جاء معظم الناس هذه المرة للتشفي فيه ....وللتصويت علي اقصاؤه من منصبه
فبعد كل هذه الاحلام ...وكل هذا الكلام
اضاع الكثير علي جمعية واخذها معه سنة الي الوراء.

نزل ابراهيم من المكان وهو محبط لاقصي درجة
فلم يدر بحاله الا عندما وصل الي شاطئ البحر حيث جلس ناظرا امامه
ولا يري سوي الفراغ .... لم يكن يعي اي شئ
"كيف وصل بي الحال الي هذه المرحلة ......لماذا لم اتمكن من تحقيق احلامي التي رسمتها
لقد كنت احسب كل شئ بدقة ...وكل خططي كانت جاهزة ....
لم يسعفه عقله للاجابة علي اي سؤال ... فاكتفي ابراهيم باغلاق عينيه
ليعود بذاكرته الي الوراء ...حيث موقف السيارات ...
منذ عام بالتحديد ....
رأي نفسه واقفا عند باب سيارته يشاهد السياح وهم يشترون الهدايا التذكارية .....
كان يتأملهم ويشعر بفرحهم بما اشتروه وهم يتخيلون ردود افعال اصدقائهم
عند عودتهم وحصولهم علي تلك الهدايا ....

كان فخورا بما حققه منذ قليل ورؤية فرحهم جعله يشعر وكأن الدنيا ترسل له الاشارات فتشاركه بها سعادته الغامرة .....وكأن الحزن والالم والخوف قد اخذوا اجازة في هذه الساعة..... اكراما له ولانجازه الكبير.

بدأت ذاكرته في العمل بقوة اكبر ....
تذكر رؤية سيدة من هؤلاء السياح تتأمل حقيبة في يدها مملوءة عن اخرها بما اشترته
لم تكن تنظر امامها فتعثرت في حجر علي الارض وسقطت...
لتتبعثر اشياؤها في كل مكان ......
عندها لم يكن ابراهيم يريد ان يعكر صفاؤه الداخلي اي شئ
فتغاضي عن الموقف و تذكر فجأة ان عليه اللحاق باصدقائه للاحتفال بمناسبته الكبيرة......
عندها اغلق باب السيارة وتحرك من المكان بسرعة تاركا السيدة علي الارض ولم يعر للامر اي اهتمام.

ومض البرق في عقله ليسحب الضوء حوله من المكان
غرق ابراهيم في ظلام دامس جعله وحيدا بين الناس في ساعة الذروة .....
شعر بأن هناك فورانا سريعا يحدث بداخله ....وكأن عقله علي وشك الانفجار.

ظل يحدث نفسه في توتر :
" ايعقل ان يكون هذا هو السبب ...يا الهي !!
لقد رأيت اول ورقة امتحان لايجابيتي فظنتتها ورقة مهملة رماها احدهم علي الارض
وتجاهلتها ...... فكانت النتيجة هي رسوبي المؤكد ...لم اهتم واكملت طريقي الذي رسبت
في اولي خطواته فكان من الطبيعي ان افشل في امتحان المستوي التالي
لماذا لم اتوقف ...
لماذا لم انتبه ....كيف واجهت ورقة امتحاني الاول بلامبلاة لا تغتفر ......
كيف اكملت سيري في الاتجاه المعاكس ... الم تستطع الدنيا ان تنبهني الي فداحة ما اقترفت ؟
لماذا يا دنيا ....اين كنت ...واين اشاراتك ؟ "

ردت عليه الدنيا بكل ثقة ...فهذا السؤال قد اجابته كثيرا قبل ذلك:

" علي الرغم من يقيني بمعرفتك للاجابة ....فهي جملة تسمعها كل يوم ....
الا انني سأعيدها علي مسامعك ....لعلك اليوم تسمعها بقلبك ....لا بأذنك فقط :

في المدارس و الجامعات نتعلم الدروس ثم نواجه الامتحانات بينما في الحياة نواجه الامتحانات اولا لنتعلم منها الدروس "
توقف ابراهيم امام الجملة كثيرا ...فعلا جملة يسمعها بل و يراها كل يوم .....
من الواضح انه كان عليه ان يصدم اولا ليعي ما تحويه من معان عميقة ...
معان عجزت قدراته الكبيرة عن ادراكها قبل فوات الاوان.

لم يطل بقاء ابراهيم في مكانه ...وعاد مرة اخري لسيارته
ولكن هناك جملة واحدة اخيرة
ظلت تتردد في عقله طوال الطريق ....
" ليس المهم ان ترسب ...ولا حتي ان تنجح في امتحان ما ... فتقييمك الحقيقي لنفسك هو مقدار ما تمكنت من تعلمه ....قبل فوات الاوان "
فيا تري كم من ورقة امتحان اهملنا وبقينا في اتجاه خاطئ ....
وكم من وقت سنأخذ ليتبين لنا الطريق .....
من منا قد تعلم درسا ....اي درس في هذه الحياة .....

ام اننا نعيشها


لمجرد ان نعيش



No comments: